أذهل منتخب المغرب العالم قبل عدة أسابيع، عندما وصل إلى أرض لم تطأها قدم إفريقي أو عربي سابقًا: المربع الذهبي للمونديال.
لوحة فنية بطولية من 7 مباريات، كان مهندسها المدرب وليد الركراكي الذي تولى المهمة قبل البطولة بفترة قصيرة، لكنه لم يمتلك سقفًا لأحلامه.
صحيفة “الباييس” الإسبانية واسعة الانتشار حاورت الركراكي في مقر إقامة المغرب بالعاصمة مدريد بعد يوم واحد من إكمال الحلم، وتحقيق أول فوز عربي على الإطلاق أمام البرازيل.
الحوار المطوّل تطرق إلى كواليس احتلال المركز الرابع في كأس العالم، ودور أمهات اللاعبين في فرض النظام داخل المعسكر.
كما شرح الركراكي بشكل مستفيض رأيه في كيفية اختيار اللاعبين للمنتخب الذي يرغبون في تمثيله.
وبرر الركراكي اعتماده على أسلوب دفاعي خالص في مباريات كأس العالم رغم أنه من عشاق أسلوب بيب جوارديولا.
قلت سابقًا إن الشباب الذين يتملكهم الشك بشأن تمثيل الدولة التي وُلدوا فيها أو المغرب، ليس لهم مكان في كأس العالم. هل تعتقد أن المواطن الأصلية تفشل عندما يفضل الأطفال المولودين والمترعرين في أراضيها تمثيل منتخب آخر؟
“فقط مزدوج الجنسية يعرف كيف هو ازدواج الجنسية. لا أحد يمكنه وضع نفسه في مكان الابن المولود في أوروبا لأب مغربي أو كولومبي أو بيروفاني”.
“أنا أشعر بالامتنان لفرنسا، وُلدت وتعلمت وتدرجت اجتماعيًا في فرنسا، لعبت كرة القدم في فرنسا، لكني لا أنسى تاريخ آبائي”.
“كل ما أطلبه ألا يأتي الفتية لتمثيل منتخبنا كخيار ثانٍ بعد أن يعرضوا أنفسهم على منتخبات البلدان التي وُلدوا فيها. قلت إنهم يمتلكون فرصة حتى عمر 19 أو 20 عامًا ليقرروا، وبعد ذلك فاختيار المنتخب الذي تمثله ليس علاقة مؤقتة، بل زواج”.
“الأمر لا يعد فشلًا اجتماعيًا، بل مجرد شعور لدى اللاعب. اختيار لابورت تمثيل إسبانيا لا يعد فشلًا للجمهورية الفرنسية، وأعتقد أن لابورت لديه المستوى اللازم للعب نهائي كأس العالم. ربما هو شعر أنه إسباني أكثر لأنه تكوّن في إسبانيا”.
“لكن لماذا لم يلعب مبابي للكاميرون أو الجزائر رغم أن ذلك باستطاعته وفي المقابل اختار فرنسا؟ الطبيعي أن يختار الأطفال البلد الذي ترعرعوا فيه، إنها حالة براهيم دياز، لديه 23 عامًا ويجب عليه اختيار من سيتزوج”.
وكيف تمكّنت من المزج بين مجموعة ذات ثقافات مختلفة؟
“النجاح الكبير لهذه القائمة أنها تضم لاعبين ينتمون للجيل الثالث أو الرابع لعائلات مهاجرة. أنا لدي علاقة قوية للغاية بالمغرب لأني من الجيل الثاني، والديّ هما من هاجرا إلى فرنسا، وكنت أتحدث العربية بعض الشيء في المنزل. لكن الوضع ليس بنفس السهولة مع الفتية الذين هاجر جدودهم، المغرب بعيد عنهم”.
“نحن أصحاب الجنسية المزدوجة نشعر أننا أجانب بعض الشيء في بلد مولدنا الذي ندين له بكل شيء، وعندما نذهب إلى المغرب يكون كل شيء على ما يرام طالما نفوز، لكن عندما نخسر فإنهم يبدأون في الحديث عن أننا لا ننتمي حقًا إلى المغرب”.
“يجب أن ننظر للأمر بشكلٍ إيجابي، نحن أقوياء لأننا نمتلك ثقافتين أو أحيانًا 3، كما هو الوضع مع (إلياس) الشاعر، وُلد وترعرع في بلجيكا، والده مغربي ووالدته بولندية. السفر هو قوة، وأن تتواجد في دولتين مختلفتين دون أن تكون قد خرجت من وطنك هو قوة أيضًا، هذا يجعل المغرب أقوى. في غرفة خلع الملابس لدينا شبان من إسبانيا وفرنسا وإيطاليا وألمانيا وبلجيكا وهولندا، هذا رائع”.
هل الرغبة في التواجد معًا والشعور بالانتماء أهم خلال كأس العالم من بطولات الأندية؟
“لم أرد أن يحضروا فقط للمشاركة في كأس العالم. لعب 3 مباريات ليس كافيًا، توجب أن نغيّر العقلية. قضيت شهورًا في الترحال، كل يومين أذهب إلى مكان للحديث مع الجميع، وأخبرت كل لاعب اجتمعت به: “من الجيد أن تسعد للذهاب إلى المونديال، ولكن ذلك ليس كافيًا، يجب أن ننافس”.
“فوق ذلك، نظمت دولة عربية البطولة وهذا جعلنا نشعر أننا في وطننا. اللاعبون فهموا أن الاتحاد ضروري دون اللجوء إلى الفرديات. في السابق امتلكنا لاعبين مميزين دائمًا، في 2018 كان لدينا (يونس) بلهندة، و(مبارك) بوصوفة، و(كريم) الأحمدي، و(نبيل) درار، و(حكيم) زياش، و(أشرف) حكيمي. لكننا افتقدنا الإيمان، كنا في حاجة إليه حتى يكون عاديًا للاعب المغرب مواجهة البرازيل وإسبانيا والبرتغال”.
لماذا كانت أمهات اللاعبين مهمات للغاية في مونديال قطر؟
“لقد ألهمونا. عادةً يشتت اللاعبون أنفسهم بقضاء الوقت مع الفتيات، أو مواقع التواصل الاجتماعي، أو المجوهرات، أو الصور، أو الساعات الروليكس، أو ماركة لوي فيتون، أو النظارات، لكن في قطر تواجدت الأمهات في فندق الإقامة”.
“في 2018 حدثت مشاكل كثيرة لأن اللاعبين اصطحبوا إلى المعسكر وكلائهم وصديقاتهم وأصدقائهم. وأنا غيّرت النظام، فقط يُسمح بالإقامة للزوجة، الأبناء، وأفراد العائلة من أشقاء وشقيقات وآباء وأمهات”.
“طالعنا جوازات سفر الجميع للتأكد. لو سُمح لهم بالاختيار، لم حضرت الأمهات، ولكن لأن أفراد العائلات فقط كان مسموحًا لهم، فقد امتلأ الفندق بالأمهات، والأمهات يفرضن النظام، بالنسبة لي كان ذلك مهمًا جدًا لأن العائلة تتمحور حول الأم”.
“بالنسبة للمسلمين، فالاجتماع العائلي يوم الجمعة حول الكسكس الذي تطهيه الأم مهم للغاية. فقط الأمهات قادرات على تجميع الأبناء هكذا. عشت ذلك في كأس الأمم الإفريقية، أن تظل محبوسًا لمدة شهر دون رؤية أي أحد إلا زملائك ليس صحيًا رغم أن الجمهور ووسائل الإعلام يعتقدون أن المعسكرات المغلقة تعطي مزيدًا من الهوس بالانتصار”.
“لكن الواقع أن قضاء اليوم في الحديث عن كرة القدم والاستماع للمدرب فقط ليس إيجابيًا للغاية مثل قضاء ساعة مع عائلتك. لأنه في النهاية، لماذا قرر هؤلاء الفتية تمثيل المغرب؟ من أجل آبائهم، من أجل جدودهم. لأنهم أشبعوهم هذا الشعور بالانتماء في المنزل لبلد آخر لم يعرفوه. الآن أمهات اللاعبين لديهم مجموعة في تطبيق واتساب ينظمون عليها كل شيء”.
في الغرب هناك تصور عن الثقافة العربية أنها ذكورية وأن النساء ليس لديهن سلطة.
“لدى النساء في البلدان الإسلامية دور قوي للغاية، خصوصًا في المغرب. إنهن مسؤولات عن تعليم الأبناء، وفي المغرب هناك الكثير من النساء يعملن في مواضع مسؤولية، وهذا لا يسبب أي صدام ثقافي لأن المجتمع يتطور. المغرب بلد منفتح للغاية، يتعايش المسلمون مع الكثير من المسيحيين واليهود”.
“والدة سفيان بوفال تركت صورة عظيمة، هبطت الملعب بعد الفوز على البرتغال ورقصت أمام مليون شخص وتحوّلت إلى رمز. الأمهات هن أحد أسباب شعبية منتخبنا حول العالم، إنهن الخيط الذي يوحدنا”.
ذكرت سابقًا أنك عاشق لطريقة لعب جوارديولا، لكن في كأس العالم أظهرت أسلوبًا مخالفًا لـ جوارديولا تمامًا.
“بدأت التدريب منذ 10 سنوات، في 2012، قدت الفتح الرباطي 5 سنوات، وهو نادٍ متواضع ويمتلك القيم ولم يكن قد فاز مطلقًا بالدوري وبدأ حينها مشروعًا جديدًا بعد الهبوط للقسم الثاني مع أشخاص على علم أرادوا تغيير عقلية كرة القدم المغربية”.
“المدير العام في النادي أعطاني الثقة وأخبرني أن ذلك سيكون معملي. لعبت بطريقة 3-5-2، و4-3-3، و4-4-2. في يوم كنت جوارديولا، وفي اليوم التالي كنت أتحوّل لأكون تشولو (سيميوني). قضيت 4 سنوات دون رؤية عائلتي، بحثت عن اللاعبين وقدت الاختبارات ليلًا ونهارًا. لكن مشروعنا الأولي كان اللعب بأسلوب برشلونة أو أياكس بداية من أفكار كرويف وصولًا إلى تطور جوارديولا وكيف جعل برشلونة أفضل نادٍ في العالم”.
“فزنا بالدوري المغربي وقدمنا عروضا هائلة، ولكن عندما فقدت أفضل لاعبيني الذين تم بيعهم لأندية أوروبية، فهمت أن هذا الأسلوب لن يكون ملائما بعد الآن. لو لم تمتلك لاعبين موهوبين، لن تستطيع التأقلم على الأسلوب. لا يمكنك أن تواصل مطالبة اللاعبين الخروج بالكرة من الخلف وأنت لا تملك الأموال لشراء لاعبين قادرين على تطبيق ذلك”.
“لو غامرت وخسرت فلا بأس، حسنًا. لكن مع المغرب لو خسرت 3 مباريات، فلا أحد سيتذكر إن كنت قد لعبت جيدًا أم لا. تعلمت من أخطائي، وعندها صرت “تشولو” بعض الشيء. أحب جوارديولا؟ نعم، ولكن فقط إذا امتلكت لاعبين قادرين على المغامرة أثناء بدء الهجمة من الخلف”.
“معرفة ما لديك في غرفة خلع الملابس والتأقلم على إمكانياتك يجعلك مدربًا جيدًا أيضًا. كرة القدم المستقبلية ستكون لمن يستطيعون التأقلم”.
في تشيلسي، أثبت توخيل أنه من السهل على شخص يعتنق عقيدة جوارديولا التراجع إلى الخلف للدفاع، من أن يستطيع شخص يعتنق عقيدة مورينيو أن يتحوّل للاستحواذ على الكرة.
“عشت ذلك مع الفرق التي دربتها. عندما تطور هذا الأسلوب الهجومي الذي يسيطر على المنافسين في نصف ملعبهم، تأتي لحظة إن لم تمتلك فيها الموهبة الكافية للعب مباراة مفتوحة أو شخص يصنع الفارق في الأمام، فإن الأمور ستصير معقدة للغاية، ويبدأ التوتر في التسلل إلى الفريق”.
“تحدينا أمام إسبانيا والبرتغال كان تجنُب أن يسجلوا علينا الهدف الأول، لأن ذلك يكون أصعب شيء، خصوصًا عندما تواجه منتخبات لا تولي احترامًا كبيرًا للمنتخبات الأضعف، لأنهم عندها سيعتقدون أن بمقدروهم التحلي بالصبر، وصبر الفريق المهاجم في العموما يلعب ضد صمود الفريق المدافع”.
“إسبانيا ظلت صبورة حتى تبقت 15 دقيقة على ركلات الترجيح، ولو كنا قد واجهنا إسبانيا بأسلوبها وحاولنا الاستحواذ على الكرة، لكنا قد خسرنا. إسبانيا كانت قد حققت استحواذًا قبلها بلغ أكثر من 60% أمام ألمانيا وإيطاليا والبرتغال وفرنسا”.
“تواضع المدرب يتمثل في أن يقول: حسنًا، هُم أقوياء على هذا الصعيد، ولكنهم أيضًا فشلوا في التسجيل في عدة مباريات، وخسروا مباريات في آخر 15 دقيقة. التواضع كان هو مفتاح الانتصار ربما. لم نكن لنفوز لو أردت إظهار عقيدتي “الجوارديولية” للعالم وأنني قادر على تكوين فريق يستحوذ على الكرة خصوصًا أننا لو خسرنا لما كانت مشكلة كبيرة لأننا المغرب في نهاية المطاف”.
بعدها فزت على البرتغال مع الاستحواذ على الكرة وبالخروج بالكرة من الخلف.
“نحن منتخب يمتلك الإمكانيات، لدينا زياش وبوفال وأوناحي، يريدون تمرير الكرة. بالنسبة لي أصعب شيء كان إخبارهم بفعل شيء آخر، أنه إن أرادوا الفوز، فالطريق مختلف، لو اتبعتوني فسنكون قادرين على الفوز، أمّا لو فعلتم ما في رؤوسكم فأعتقد أننا لن نمر، قرروا أنتم”.
“لحسن الحظ اتبعوني. أصعب شيء هو إقناع اللاعبين. الآن أحاول إقناعهم أنه رغم تحقيق أفضل إنجاز إفريقي في تاريخ كأس العالم، فإن ذلك لا يضمن لنا أي شيء في كأس الأمم الإفريقية، لو اعتقدنا أننا سنفوز بالبطولة والسيجار في أفواهنا، فإننا سنفشل”.
هل كانت مشكلة إسبانيا المبالغة في التمريرات؟
“الكثير من المدربين فكروا في كيفية إيقاف “تيكي تاكا”. المشكلة ليست في التمريرات القصيرة. من خلال دراسة إسبانيا، رأينا أنه طالما كانت التمريرات عرضية، وأنهم يظهرون صبرًا مبالغًا فيه؛ فإن الفريق المدافع يكتسب القوة”.
“لو لم تخترق منطقة جزاء منافسك، لو لم ترسل العرضيات، لو لم تسدد على المرمى، لو لم تخلق فرصًا، فلا تستحق الفوز مهما امتلكت الكرة بين قدميك”.
عندما أطحتم بإسبانيا، في إسبانيا قالوا إن تيكي تاكا باتت من الماضي. ماذا تعتقد بشأن ذلك؟
“لا! كمدرب وعاشق لكرة القدم، يزعجني القول إن هناك طريقة واحدة للعب كرة القدم ولإرضاء المشجعين. ليس صحيحًا أن تيكي تاكا هي الطريقة التي يرغب العالم كله في رؤيتها، هناك أشخاص يعشقون كرة القدم القتالية الخاصة بـ سيميوني، وهناك من يعشقون كرة بيب جوارديولا”.
“ولكن هناك مباريات لـ مانشستر سيتي تجعلني أغط في النوم. كرة القدم متنوعة. الفريق يجب أن يُنتج المشاعر، وبعد ذلك تأتي طريقة اللعب والنتائج أيضًا”.
“لأنه لو كان المنطق الوحيد هو تحقيق النتائج، فإنك ستصطدم بأمور مثل التي فعلها ريال مدريد العام الماضي في دوري أبطال أوروبا، أشياء ليس فيها أي منطق ويعجز أي محلل عن تفسيرها. ولهذا أؤمن أنه في كرة القدم العصرية ما يميّز أي مدرب هو إدارته للأفراد، انظروا إلى ما يفعله أنشيلوتي”.